تفسير سورة الرعد
2 مشترك
الموقع الرسمي للمسلسلات والافلام التركية والاجنية :: تفسير القرآن الكريم :: تفسير ابن كثير للقرآن الكريم
صفحة 1 من اصل 1
تفسير سورة الرعد
بِسْمِ اللّهِ الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ
الَمَر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رّبّكَ الْحَقّ وَلَـَكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ
أما الكلام على الحروف المقطعة في أوائل السور، فقد تقدم في أول سورة البقرة، وقدمنا أن كل سورة ابتدئت بهذه الحروف ففيها الانتصار للقرآن وتبيان أن نزوله من عند الله حق لا شك فيه ولا مرية ولا ريب، ولهذا قال: {تلك آيات الكتاب} أي هذه آيات الكتاب، وهو القرآن، وقيل: التوراة والإنجيل، قاله مجاهد وقتادة، وفيه نظر بل هو بعيد، ثم عطف على ذلك عطف صفات فقال: {والذي أنزل إليك} أي يا محمد {من ربك الحق} خبر تقدم مبتدؤه، وهو قوله: {والذي أنزل إليك من ربك} هذا هو الصحيح المطابق لتفسير مجاهد وقتادة، واختار ابن جرير أن تكون الواو زائدة أو عاطفة صفة على صفة كما قدمنا، واستشهد بقول الشاعر
إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم
وقوله: {ولكن أكثر الناس لا يؤمنون} كقوله: {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} أي مع هذا البيان والجلاء والوضوح لا يؤمن أكثرهم لما فيهم من الشقاق والعناد والنفاق
اللّهُ الّذِي رَفَعَ السّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمّ اسْتَوَىَ عَلَى الْعَرْشِ وَسَخّرَ الشّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلّ يَجْرِي لأجَلٍ مّسَمّـى يُدَبّرُ الأمْرَ يُفَصّلُ الاَيَاتِ لَعَلّكُمْ بِلِقَآءِ رَبّكُمْ تُوقِنُونَ
يخبر الله تعالى عن كمال قدرته وعظيم سلطانه أنه الذي بإذنه وأمره رفع السموات بغير عمدٍ، بل بإذنه وأمره وتسخيره رفعها عن الأرض بعداً لا تنال ولا تدرك مداها، فالسماء الدنيا محيطة بجميع الأرض وما حولها من الماء والهواء من جميع نواحيها وجهاتها وأرجائها، مرتفعة عليها من كل جانب على السواء، وبعد ما بينها وبين الأرض من كل ناحية مسيرة خمسمائة عام، وسمكها في نفسها مسيرة خمسمائة عام، ثم السماء الثانية محيطة بالسماء الدنيا وما حوت، وبينهما من بعد المسير خمسمائة عام، وسمكها خمسمائة عام، وهكذا السماء الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة، كما قال تعالى: {الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن} الاَية
وفي الحديث «ما السموات السبع وما فيهن وما بينهن في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، والكرسي في العرش المجيد كتلك الحلقة في تلك الفلاة». وفي رواية «والعرش لا يقدر قدره إلا الله عز وجل» وجاء عن بعض السف أن بعد ما بين العرش إلى الأرض مسيرة خمسين ألف سنة، وبعد ما بين قطريه مسيرة خمسين ألف سنة، وهو من ياقوتة حمراء. وقوله: {بغير عمد ترونها} روي عن ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة وغير واحد أنهم قالوا: لها عمد ولكن لا ترى. وقال إياس بن معاوية: السماء على الأرض مثل القبة، يعني بلا عمد، وكذا روي عن قتادة، وهذا هو اللائق بالسياق، والظاهر من قوله تعالى: {ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه} فعلى هذا يكون قوله: {ترونها} تأكيداً لنفي ذلك، أي هي مرفوعة بغير عمد كما ترونها، وهذا هو الأكمل في القدرة، وفي شعر أمية بن أبي الصلت الذي آمن شعره، وكفر قلبه كما ورد في الحديث، ويروى لزيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنه
وأنت الذي من فضل منّ ورحمة بعثت إلى موسى رسولاً مناديا
فقلت له: فاذهب وهارون فادعوا إلى الله فرعون الذي كان طاغياً
وقولا له
هل أنت سويت هذه بلا وتد حتى استقلت كما هيا ؟
وقولا له
أأنت رفعت هذه بلا عمد أو فوق ذلك بانيا ؟
وقولا له
هل أنت سويت وسطها منيراً إذا ما جنك الليل هاديا ؟
وقولا له: من يرسل الشمس غدوة،فيصبح ما مست من الأرض ضاحيا ؟
وقولا له: من أنبت الحب في الثرى فيصبح منه العشب يهتز رابيا
ويخرج منه حبه في رؤوسه ؟ففي ذاك آيات لمن كان واعيا
وقوله تعالى: {ثم استوى على العرش} تقدم تفسيره في سورة الأعراف وأنه يمر كما جاء من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل، ولا تمثيل، تعالى الله علواً كبيراً. وقوله: {وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى} قيل: المراد أنهما يجريان إلى انقطاعهما بقيام الساعة، كقوله تعالى: {والشمس تجري لمستقر لها} وقيل: المراد إلى مستقرهما وهو تحت العرش مما يلي بطن الأرض من الجانب الاَخر، فإنهما وسائر الكواكب إذا وصلوا هنالك يكونون أبعد ما يكون عن العرش، لأنه على الصحيح الذي تقوم عليه الأدلة قبة مما يلي العالم من هذا الوجه، وليس بمحيط كسائر الأفلاك، لأن له قوائم وحملة يحملونه، ولا يتصور هذا في الفلك المستدير، وهذا واضح لمن تدبر ما وردت به الاَيات والأحاديث الصحيحة، ولله الحمد والمنة
وذكر الشمس والقمر لأنهما أظهر الكواكب السيارة السبعة التي هي أشرف وأعظم من الثوابت، فإذا كان قد سخر هذه ، فلأن يدخل في التسخير سائر الكواكب بطريق الأولى والأحرى، كما نبه بقوله تعالى: {لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون} مع أنه صرح بذلك بقوله: {والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين}. وقوله: {يفصل الاَيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون} أي يوضح الاَيات والدلالات الدالة على أنه لا إله إلا هو، وأنه يعيد الخلق إذا شاء كما بدأه
وَهُوَ الّذِي مَدّ الأرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلّ الثّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي الْلّيْلَ النّهَارَ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ * وَفِي الأرْضِ قِطَعٌ مّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنّاتٌ مّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىَ بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضّلُ بَعْضَهَا عَلَىَ بَعْضٍ فِي الاُكُلِ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
لما ذكر تعالى العالم العلوي، شرع في ذكر قدرته وحكمته وإحكامه للعالم السفلي، فقال: {وهو الذي مد الأرض} أي جعلها متسعة ممتدة في الطول والعرض، وأرساها بجبال راسيات شامخات، وأجرى فيها الأنهار والجداول والعيون، ليسقي ما جعل فيها من الثمرات المختلفة الألوان والأشكال والطعوم والروائح {من كل زوجين اثنين} أي من كل شكل صنفان {يغشي الليل النهار} أي جعل كلاً منهما يطلب الاَخر طلباً حثيثاً، فإذا ذهب هذا غشيه هذا، وإذا انقضى هذا جاء الاَخر، فيتصرف أيضاً في الزمان كما يتصرف في المكان والسكان، {إن في ذلك لاَيات لقوم يتفكرون} أي في آلاء الله وحكمه ودلائله
وقوله: {وفي الأرض قطع متجاورات} أي أراض يجاور بعضها بعضاً، مع أن هذه طيبة تنبت ما ينفع الناس وهذه سبخة مالحة لا تنبت شيئاً، هكذا روي عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والضحاك وغير واحد. ويدخل في هذه الاَية اختلاف ألوان بقاع الأرض، فهذه تربة حمراء، وهذه بيضاء، وهذه صفراء، وهذه سوداء، وهذه محجرة، وهذه سهلة، وهذه مرملة، وهذه سميكة، وهذه رقيقة، والكل متجاورات، فهذه بصفتها، وهذه بصفتها الأخرى، فهذا كله مما يدل على الفاعل المختار لا إله إلا هو ولا رب سواه. وقوله: {وجنات من أعناب وزرع ونخيل} يحتمل أن تكون عاطفة على جنات، فيكون {وزرع ونخيل} مرفوعين. ويحتمل أن يكون معطوفاً على أعناب، فيكون مجروراً، ولهذا قرأ بكل منهما طائفة من الأئمة
وقوله: {صنوان وغير صنوان} الصنوان: هو الأصول المجتمعة في منبت واحد، كالرمان والتين، وبعض النخيل ونحو ذلك، وغير الصنوان: ما كان على أصل واحد، كسائر الأشجار، ومنه سمي عم الرجل صنو أبيه، كما جاء في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر: «أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه». وقال سفيان الثوري وشعبة عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه: الصنوان هي النخلات في أصل واحد، وغير الصنوان المتفرقات، وقاله ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغير واحد
وقوله: {تسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل} قال الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم {ونفضل بعضها على بعض في الأكل} قال «الدقل، والفارسي، والحلو، والحامض»، رواه الترمذي وقال: حسن غريب، أي هذا الاختلاف في أجناس الثمرات والزروع في أشكالها وألوانها، وطعومها وروائحها، وأوراقها وأزهارها، فهذا في غاية الحلاوة، وهذا في غاية الحموضة، وذا في غاية المرارة، وذا عفص، وهذا عذب، وهذا جمع هذا وهذا، ثم يستحيل إلى طعم آخر بإذن الله تعالى، وهذا أصفر، وهذا أحمر، وهذا أبيض، وهذا أسود، وهذا أزرق، وكذلك الزهورات مع أنها كلها تستمد من طبيعة واحدة وهو الماء، مع الاختلاف الكثير الذي لا ينحصر ولا ينضبط ففي ذلك آيات لمن كان واعياً، وهذا من أعظم الدلالات على الفاعل المختار الذي بقدرته فاوت بين الأشياء، وخلقها على ما يريد، ولهذا قال تعالى: {إن في ذلك لاَيات لقوم يعقلون} .
الموقع الرسمي للمسلسلات والافلام التركية والاجنية :: تفسير القرآن الكريم :: تفسير ابن كثير للقرآن الكريم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى